وقف إطلاق النار في غزة- راحة مؤقتة أم إبادة جماعية مستمرة؟

المؤلف: مهند عياش09.23.2025
وقف إطلاق النار في غزة- راحة مؤقتة أم إبادة جماعية مستمرة؟

إن اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل يمثل استراحة ثمينة وطوق نجاة للفلسطينيين القاطنين في غزة، والذين عانوا الأمرّين جراء حملة إبادة جماعية مروعة ومفجعة. على مدار الخمسة عشر شهرًا الماضية، تجرعوا مرارة القصف اليومي، والقتل الممنهج، والتهديدات المتواصلة، والسجن الظالم، والتجويع القاسي، والأمراض المستعصية، وغيرها من صنوف المحن التي يصعب على أغلب البشر تصورها، فضلاً عن تحملها والصمود في وجهها.

من المقرر أن يدخل الاتفاق حيز التنفيذ الفعلي يوم الأحد الموافق 19 يناير/ كانون الثاني 2025، وهو اليوم الذي يسبق مباشرة تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية.

في الوقت الذي ينسب فيه البعض الفضل في نجاح هذا الاتفاق إلى قدرة إدارة ترامب الفريدة على ممارسة الضغوط على إسرائيل، فمن الأهمية بمكان التأكيد على أن ترامب هو لاعب بارع على المسرح السياسي، ولا شك أنه سعى إلى الحصول على موافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار قبل حفل تنصيبه بقليل، وذلك بهدف استغلاله لتعزيز مكاسبه السياسية.

بعبارة أخرى، لم يمارس ترامب ضغوطًا على نتنياهو من أجل القبول بالاتفاق انطلاقًا من رغبة صادقة في تحقيق السلام والاستقرار، أو التزامًا منه بجميع مراحل الاتفاق الثلاث. بل من المرجح أنه تصرف بدافع حسابات سياسية شخصية بحتة، وذلك لتحسين صورته العامة والترويج لأجندة إدارته.

نحن لسنا على علم بما دار من أحاديث واتفاقيات وراء الأبواب المغلقة بين فريق ترامب والمسؤولين الإسرائيليين، ولكن يمكننا أن نكون على يقين تام من أن إدارة ترامب لا تولي اهتمامًا بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة على حدود عام 1967، كما أنها لا تعارض بأي شكل من الأشكال الخطط الإسرائيلية الرامية إلى ضم مساحات واسعة من الضفة الغربية المحتلة.

بل إن بعض التقارير تشير إلى أن إدارة ترامب ربما وعدت نتنياهو بتقديم دعم أمريكي لضم مناطق معينة من الضفة الغربية، وذلك مقابل قبوله باتفاق وقف إطلاق النار، الذي قد لا تلتزم إسرائيل بتنفيذه بشكل كامل بعد المرحلة الأولى. في ظل هذا السيناريو، يحقق ترامب مبتغاه، وهو تحقيق نصر سياسي، بينما يحصل نتنياهو على ما يصبو إليه، وهو استمرار وتوسيع الاستعمار الاستيطاني لفلسطين.

يكمن السبب الجوهري وراء التشاؤم بشأن هذا الاتفاق في أنه لا يضمن بأي حال من الأحوال تنفيذ المرحلتين الثانية والثالثة، واللتين تتضمنان الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة، والسماح للفلسطينيين المهجرين بالعودة إلى ديارهم في جميع مناطق القطاع، وإعادة إعمار غزة بشكل شامل وكامل.

يجب التأكيد مرارًا وتكرارًا على أنه بعد مرور أكثر من خمسة عشر شهرًا على الإبادة الجماعية، تحولت غزة إلى مجرد أنقاض وخرائب. لقد أصبحت أجزاء كبيرة من القطاع غير صالحة تمامًا للسكن. لا يمكن للمواطنين ببساطة العودة إلى أحياء سكنية دُمرت بالكامل عن بكرة أبيها، أو إلى مبانٍ تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة، مثل المياه الجارية، وشبكات الصرف الصحي الفعالة، أو إلى أماكن تنعدم فيها الكهرباء والوقود.

لم تعد هناك مدارس أو جامعات أو عيادات أو مستشفيات صالحة للاستخدام، ولا توجد شركات قادرة على إدارتها وتشغيلها، وهكذا. لقد انهار النظام الاقتصادي بشكل كامل، وأصبح الناس يعتمدون اعتمادًا كليًا على المساعدات الإنسانية الأجنبية من أجل البقاء على قيد الحياة.

الأمراض متفشية ومنتشرة على نطاق واسع، والعديد من السموم والمواد الكيميائية الضارة الناتجة عن القصف الإسرائيلي تتطاير في الهواء وتنتشر في التربة والمياه الجوفية في غزة. لقد تم تدمير عائلات بأكملها عن بكرة أبيها، بينما تفككت عائلات أخرى بسبب الهجمات الإسرائيلية العشوائية، مما أدى إلى تيتيم عدد كبير من الأطفال. لقد أصبح عدد كبير من الناس غير قادرين على إعالة أسرهم وتلبية احتياجاتهم الأساسية. كيف ستكون الحياة "طبيعية" بالنسبة للفلسطينيين بعد كل هذا الدمار والخراب، هذا سؤال لا يزال يكتنفه الغموض والريبة.

لا تزال الأسئلة المتعلقة بإدارة قطاع غزة محاطة بالغموض والضبابية في أفضل الأحوال، وبالتأكيد لا يوجد في الاتفاق ما يعالج المشكلة الأساسية أو يقود إلى حل طويل الأمد. إن مسألة الحل الدائم والشامل هي مسألة حاسمة ومصيرية. قد ينجح الاتفاق، في أحسن الأحوال، في إنهاء هذه العملية الإبادية المحددة، ولكنه بالتأكيد لا يتطرق إلى جوهر المشكلة: الإبادة الجماعية الهيكلية التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين.

إن الإبادة الجماعية الهيكلية للفلسطينيين، والتي يطلق عليها الفلسطينيون اسم النكبة المستمرة، لا تشير فقط إلى حدث أو حدثين منفصلين من الإبادة الجماعية، مثل نكبة عام 1948، أو هذا العدوان الإبادي على غزة، بل تشير إلى بنية استعمارية استيطانية تسعى جاهدة للقضاء على السيادة الفلسطينية، وإنهاء حق العودة للفلسطينيين إلى أراضيهم، وطرد الفلسطينيين من المزيد من أراضيهم، وفرض السيادة الإسرائيلية اليهودية الحصرية من النهر إلى البحر. تعمل هذه البنية من خلال مجموعة متنوعة من وسائل الإقصاء والطرد والتهجير.

إن عملية الإبادة الجماعية، كتلك التي شهدها العالم في غزة، والتي تنطوي على القتل الجماعي، والتهجير القسري الجماعي، والتدمير الشامل الذي يجعل الأرض غير صالحة للسكن، هي بلا شك إحدى تلك الأدوات، ولكنها ليست الأداة الوحيدة.

هناك أيضًا التهجير والطرد التدريجي؛ ومنع التنمية الاقتصادية وخلق التبعية الاقتصادية؛ ومحو التاريخ والثقافة الفلسطينية؛ وتفتيت النسيج الاجتماعي للسكان الفلسطينيين؛ وإنكار الحقوق والحريات والكرامة الإنسانية لأولئك الذين يعيشون تحت نير الاحتلال، لدرجة أنهم يشعرون بضغوط شديدة تدفعهم إلى المغادرة والرحيل؛ وإعاقة السيادة الفلسطينية سياسيًا، وما إلى ذلك.

إذًا، السؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن لوقف إطلاق النار، حتى لو تم تنفيذه في جميع مراحله الثلاث، أن ينهي هذه الإبادة الجماعية الهيكلية؟ الإجابة واضحة وضوح الشمس: لا، لأن أيًا من هذه الوسائل الأخرى للإبادة الجماعية الهيكلية الإسرائيلية لم يتم تناولها أو معالجتها في اتفاق وقف إطلاق النار.

يجب أن تُسمى هذه الإبادة الجماعية الهيكلية باستمرار، وأن تُفضح وتُواجه بكل قوة وحزم. وطالما أن المشروع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي يظل مخفيًا أو يتم التقليل من شأنه في الخطاب الدبلوماسي والعام، فإن المشكلة الأساسية ستستمر بلا هوادة، وسنعود حتمًا إلى لحظة الرعب المطلق والمعاناة التي لا توصف، بافتراض أننا نحصل على فترة راحة كبيرة من خلال هذا الاتفاق.

بدون ممارسة ضغوط جادة ومتواصلة على الدولة الإسرائيلية، وبدون العزل الاقتصادي والسياسي لإسرائيل من قبل الدول والمؤسسات حول العالم، حتى يتم تفكيك الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، فسنجد أنفسنا محاصرين في بنية إبادة جماعية دائمة، وقنبلة موقوتة ستنفجر في حرب شاملة للإبادة النهائية.

بالنسبة للمجتمع الدولي، ليس هذا هو الوقت المناسب للاحتفال أو تبادل التهاني، بل هو وقت اتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية جادة ضد إسرائيل؛ من أجل وقف الإبادة المستمرة للشعب الفلسطيني بجميع أشكالها وأنواعها المختلفة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة